ذکرنا هذه القصة سابقا، لکننا وجدناها فی مصدر آخر و بصیاغة أخری فأحببنا أن نوردها:
جاء فی کتاب العباس لعبد الرزاق المقرم کرامات عدیدة للعباس (علیهالسلام(، نذکر منها بعض هذه الکرامات منها قال:
ما حدثنی به العلامة البارع الشیخ حسن دخیل (حفظه الله(، عما شاهده بنفسه فی حرم أبیالفضل العباس (علیهالسلام(، قال: زرت الامام الحسین (علیهالسلام) فی غیر الزیارة و ذلک فی أواخر أیام الدولة العثمانیة فی العراق، فی فصل الصیف، و بعد أن فرغت من زیارة الامام الحسین (علیهالسلام(، توجهت الی زیارة العباس (علیهالسلام(، قرب النهر، فلم أجد فی الصحن الشریف و الحرم المطهر أحدا، لحرارة الهواء غیر رجل من الخدمة واقفا عن الباب الأول یقدر عمره الستین سنة، کأنه مراقب للحرم، و بعد أن زرت صلیت الظهر و العصر، ثم جلست عند الرأس المقدس، مفکرا فی الأبهة و العظمة، التی نالها قمر بنیهاشم، عن تلک التضحیة الشریفة.
و بینما أنا فی هذا اذ رأیت امرأة محجبة من القرن الی القدم، علیها آثار الجلالة، و خلفها غلام، یقدر بالستة عشر سنة، بزی أشراف الأکراد، جمیل الصورة، فطافت بالقبر و الولد تابع، ثم دخل بعدهما رجل طویل القامة،
أبیض اللون، مشربا بحمرة دو لحیة، شعره أشقر، تخالطه شعرات بیض جمیل البزة کردی اللباس و الزی فلم یأت بما تصفه الشیعة من الزیارة، أو السنة من الفاتحة، فاستدبر القبر المطهر، و أخذ ینظر الی السیوف و الخناجر و الدرقة المعلقة فی الحضرة، غیر مکترت بعظمة صاحب الحرم المنیع، فتعجبت منه أشد العجب، و لم أعرف الملة التی ینحلها، غیر أنی اعتقدت أنه من متعلقی المرأة و الولد، و ظهر لی من المرأة عند وصولها فی الطواف، الی جهة الرأس الشریف، التعجب مما علیه الرجل، من الغوایة، و من صبر أبیالفضل (علیهالسلام(. عنه فما رأیت الا ذلک الرجل الطویل القامة قد ارتفع عن الأرض و لم أری من رفعه، و ضرب به الشباک المطهر، و اخذ ینبح و یدور حول القبر، و هو یقفز فلا هو بملتصق بالقبر، و لا بمبتعد عنه، کأنه متکهرب به، و قد تشخبت أصابع یدیه و احمر وجهه حمرة شدیدة.
ثم صار أرزق و کانت عنده ساعة علقها برقبته بزنجبیل فضه، فکلما یقفز تضرب بالقبر حتی تکسرت و حیث أنه أخرج یده من عباءته، لم تسقط الی الأرض، نعم سقط الطرف الآخر الی الأرض، و بتلک القفزات تخرقت.
أما المرأة فحینما شاهدت هذه الکرامة من أبیالفضل (علیهالسلام(، قبضت علی الولد و أسندت ظهرها الی الجدار، و هی تتوسل به بهذه اللهجة، أبوالفضل دخیلک أنا و ولدی.
فأدهشنی هذا الحال، و بقیت واقفا لا أدری ما أصنع و الرجل قوی البدن و لیس فی الحرم أحد یقبض علیه، فدار حول القبر مرتین و هو بنبح و یقفز
فرأیت ذلک السید الخادم الذی کان واقفا عند الباب الأول، دخل الروضة الشریفة، فشاهد الحال فرجع، و بینما هو ینادی: رجلا اسمه جعفر من السادة الخدام فی الروضة، فجاءا معا فقال: السید الکبیر لجعفر، أقبض علی الطرف الآخر من الحزام، و کان طول الحزام، یبلغ ثلاثة أذرع، فوقفا عند القبر حتی اذا وصل الیهما وضعا الحزام فی عنقه، و أداره علیه، فوقف طبعا.
لکنه بنبح فأخرجاه من حرم العباس و قال: للمرأة اتبعینا الی مشهد الحسین (علیهالسلام(، فخرجوا جمیعا و أنا معهم و لم یکن أحد فی الصحن الشریف، فلما صرنا فی السوق بین (الحرمین) تبعنا الواحد و الأثنان من الناس لأن الرجل کان علی حالته من النبح و الاضطراب مکشوف الرأس ثم تکاثر الناس.
فأدخلوه (المشهد الحسینی) و ربطوه بشباک (علی الأکبر (علیهالسلام) فهدأت حالته و نام و قد عرق عرقا شدیدا، فما مضی الا ربع ساعة، فاذا به قد انتبه مرعوبا و هو یقول: «أشهد أن لا اله الا الله، و أشهد أن محمدا عبده و رسول و أن أمیرالمؤمنین علی بن أبیطالب، خلیفة رسوله الله، بلافصل و أن الخلیفة من بعده ولده الحسن ثم أخوه الحسین، ثم علی بن الحسین، وعد الأئمة الی الحجة المهدی (عجل الله فرجه(.
فسئل عن ذلک؟ قال: «أنی رأیت رسول الله (ص) الآن و هو یقول لی: اعرتف بهؤلاء وعدهم علی، و ان لم تفعل یهلک العباس (علیهالسلام(، فأنا أشهد بهم و أتبرأ من غیرهم«.
ثم سئل عما شاهده هناک؟ فقال: «بینما أنا فی حرم العباس (علیهالسلام(، اذ رأیت رجلا طویل القامة، قبض علی و قال لی: یا کلب الی الآن بعدک علی الضلال، ثم ضرب بی القبر، و لم یزل یضربنی بالعصا فی قفای و أنا أفر منه.
ثم سألت المرأة عن قصة الرجل أنها شیعیة من أهل بغداد و الرجل سنی، من أهل السلیمانیة، ساکن فی بغداد متدین بمذهبه، لا یعمل الفسوق و المعاصی، یحب الخصال الحمیدة، و یتنزه عن الذمیمة، و هو بندرجی تتن، و للمرأة أخوان حرفتهما بیع التتن، و معاملتهما مع الرجل فبلغ دینه علیهما مائتی (لیرة عثمانیة(.
فاستقر رأیهما علی بیع الدار منه و المهاجرة من بغداد فاحضراه فی دارهما (ظهرا(، و أطلعاه علی رأیهما و عرفاه أنه لم یکن دین علیهما لغیره، فعندها أبدی من الشهامة شیئا عجیبا، فأخرج الأوراق و مزقها ثم أحرقها، و طمنهما علی الاعانة مهما یحتاجان.
فطارا فرحا و أرادا مجازاته فی الحال فذاکرا المرأة علی التزویج منه، فوجدا منهما الرغبة فیه، لوقوفها علی هذا الفضل، مع ما فیه من التمسک بالدین، و اجتناب الدنیا، و قد طلب منهما مرارا اختیار المرأة الصالحة له، فلما ذکرا له ذلک زاد سروره وانشرح صدره بحصول أمنیة فعقدا له من المرأة و تزوج منها.
و لما حملت منه، طلبت منه زیارة الکاظمیین (1) اذ لم تزرهما مدة کونها بلا
زوج، فلم یجبها مدعیا أنه من الخرافات، و ملا ظهر علیها الحمل سألته أن ینذر الزیارة أن رزق ولدا.
ففعل و لما جاءت بالولد طالبته بالزیارة، فقال: لا، أوفی بالنذز، حتی یبلغ الولد، فآیست المرأة، و لما بلغ الولد السنة الخامسة عشرة، طلب منها اختیار الزوجة، فآبت ما دام لم یف بالنذر.
فعندها وافقها علی الزیارة مکرها، و طلبت من الجوادین الکرامة الباهرة، لیعتقد بامامتها، فلم تر منهما ما یسرها بل أساءها سخریته و استهزاؤه.
ثم ذهب الرجل بالمرأة و الولد الی العسکریین (2)، و توسلت بهما و ذکرت قصة الرجل فلم تشرق علیه أنوارهما، وزادت السخریة منه.
و لما وصلت کربلاء قالت: المرأة نقدم زیارة العباس (علیهالسلام(، و اذا لم تظهر الکرامة و هو أبوالفضل، و باب الحوائج، لا أزور أخاه الشهید، و لا أباه امیرالمؤمنین (علیهماالسلام(، و أرجع الی بغداد و قصت علی أبیالفضل قصة الرجل، و عرفته حال الرجل و سخریته، بالأئمة الطاهرین، و أنها لا تزور أخاه و لا أباه، اذا لم یتلطف علیه بالهدایة، و ینقذه من الغوایة، فأنجح سؤلها و فاز الرجل بالسعادة.
1) یعنی الامامان موسی بن جعر الکاظم، و الامام محمد الجواد (علیهماالسلام(.
2) یعنی الامامان علی الهادی، و الامام الحسن العسکری (علیهماالسلام(.