جستجو
این کادر جستجو را ببندید.

الشجاعة

زمان مطالعه: 3 دقیقه

أما الشجاعة فهی من أسمی صفات الرجولة لأنها تنم عن قوة الشخصیة و صلابتها، و تماسکها أمام الأحداث، و قد ورث أبوالفضل هذه الصفة الکریمة من أبیه الامام أمیرالمؤمنین علیه‏السلام الذی هو أشجع انسان فی دنیا الوجود، کما ورث هذه الصفة من أخواله الذین تمیزوا بهذه الظاهرة، و عرفوا بها من بین سائر الأحیاء العربیة.

لقد کان أبوالفضل دنیا فی البطولات، فلم یخالج قلبه خوف و لا رعب فی الحروب التی خاضها مع أبیه کما یقول بعض المؤرخین، و قد أبدی من الشجاعة یوم الطف ما صار مضرب المثل علی امتداد التاریخ، فقد کان ذلک الیوم من أعظم الملاحم التی جرت فی الاسلام، و قد برز فیه أبوالفضل أمام تلک القوی التی ملأت البیداء فجبن الشجعان و أرعب قلوب عامة الجیش،

فزلزلت الأرض تحت أقدامهم و خیم علیهم الموت، و راحوا یمنونه باعطاء القیادة العامة ان تخلی عن مساندة أخیه، فهزأ منهم العباس، و زاده ذلک تصلبا فی الدفاع عن عقیدته و مبادئه.

ان شجاعة أبی‏الفضل علیه‏السلام، و ما أبداه من البسالة یوم الطف لم تکن من أجل مغنم مادی من هذه الحیاة، و انما کانت دفاعا عن أقدس المبادی‏ء الماثلة فی نهضة أخیه سیدالشهداء المدافع الأول عن حقوق المظلومین و المضطهدین.

مع الشعراء:

و بهر شعراء الاسلام بشجاعة أبی‏الفضل، و قوة بأسه و ما ألحقه بالجیش الأموی من الهزیمة الساحقة، و فیما یلی بعض الشعراء الذین هاموا بشخصیته.

1 – السید جعفر الحلی:

و وصف الشاعر العلوی السید جعفر الحلی فی رائعته ما منی به الجیش الأموی من الرعب و الفزع من أبی‏الفضل علیه‏السلام یقول:

وقع العذاب علی جیوش أمیة

من باسل هو فی الوقائع معلم‏

ما راعهم الا تقحم ضیغم‏

غیران یعجم لفظه و یدمدم‏

عبست وجوه القوم خوف الموت‏

و العباس فیهم ضاحک یتبسم‏

قلب الیمین علی الشمال و غاص فی‏

الأوساط یحصد للرؤوس و یحطم‏

ما کر ذو بأس له متقدما

الا وفر و رأسه المتقدم‏

صبغ الخیول برمحه حتی غدا

سیان أشقر لونها و الأدهم‏

ما شد غضبانا علی ملمومه‏

الا و حل بها البلاء المبرم‏

و له الی الاقدام نزعة هارب‏

فکأنما هو بالتقدم یسلم‏

بطل تورث من أبیه شجاعة

فیها أنوف بنی الضلالة ترغم‏

أرأیتم هذا الوصف الرائع لبسالة أبی‏الفضل و قوة بأسه و شجاعته النادرة.

أرأیتم کیف وصف الحلی ما حل بالجیش الأموی من الجبن الشامل، و الهزیمة الساحقة حینما برز الیهم قمر بنی‏هاشم و بطل الاسلام فأنزل بهم العذاب الألیم، و ترک صفوفهم تموج من الخوف و الرعب، و کان العباس متبسما مثلوج الفؤاد مما ینزل بهم من الخسائر الفادحة، فقد ملأ ساحات المعرکة بجثث قتلاهم، و صبغ خیولهم بدمائهم، و فیما أحسب أنه لم توصف البسالة و الشجاعة بمثل هذا الوصف الرائع الدقیق، و الذی لا مبالغة فیه حسبما تحدث الرواة عما أنزله العباس علیه‏السلام بأهل الکوفة من الخسائر الجسیمة.

و یستمر السید الحلی فی وصف شجاعة أبی‏الفضل فیقول:

بطل اذا رکب المطهم خلته‏

جبلا أشم یخف فیه مطهم‏

قسما بصارمه الصقیل و اننی‏

فی غیر صاعقة السماء لا أقسم‏

لولا القضا لمحا الوجود بسیفه‏

و الله یقضی ما یشاء و یحکم‏

لقد کان سیف أبی‏الفضل صاعقة مدمرة قد حلت بأهل الکوفة، و لولا قضاء الله لأتی العباس علی الجیش، و محاهم من ساحة الوجود.

2 – الامام کاشف الغطاء:

و بهر الامام محمد الحسین کاشف الغطاء رحمه الله بشجاعة أبی‏الفضل فقال فی قصیدته العصماء:

و تعبس من خوف وجوه أمیة

اذا کر عباس الوغی یتبسم‏

علیم بتأویل المنیة سیفه‏

تزول علی من بالکریهة معلم‏

و ان عاد لیل الحرب بالنقع ألیلا

فیوم عداه منه بالشر أیوم‏

لقد عبست وجوه الجیش الأموی رعبا و خوفا من أبی‏الفضل الذی حصد رؤوس أبطالهم، و حطم معنویاتهم، و أذاقهم وابلا من العذاب الألیم.

3 – الفرطوسی:

و عرض شاعر أهل البیت علیهم‏السلام الشیخ عبدالمنعم الفرطوسی نضرالله مثواه فی ملحمته الخالدة الی شجاعة أبی‏الفضل و بسالته فی میدان الحرب قال:

علم للجهاد فی کل زحف‏

علم فی الثبات عند اللقاء

قد نما فیه کل بأس و عز

من علی بنجدة و اباء

هو ثبت الجنان فی کل روع‏

و هو روع الجنان من کل راء

و أضاف الفرطوسی مصورا ما أنزله أبوالفضل من الخسائر الفادحة فی جیوش الأمویین قال:

فارتقی صهوة الجواد مطلا

علما فوق قلعة شماء

و تجلی و الحرب لیل قثام‏

قمرا فی غیاهب الظلماء

فاستطارت من الکماة قلوب‏

أفرغت من ضلوعها کالهواء

و تهاوت جسومهم و هی صرعی‏

و استطارت رؤوسهم کالهباء

و هو یرمی الکتائب السود رجما

بالمنایا من الید البیضاء (1).

ان شجاعة أبی‏الفضل قد أدهشت أفذاذ الشعراء، و صارت مضرب المثل علی امتداد التاریخ، و مما زاد فی أهمیتها انها کانت لنصرة الحق و الذب عن المثل و المبادی‏ء التی جاء بها الاسلام، و انها لم تکن بأی حال

من أجل مغنم مادی من مغانم هذه الحیاة.


1) ملحمة أهل البیت 3 / 330 – 329.