أما الشجاعة فهی من أسمی صفات الرجولة لأنها تنم عن قوة الشخصیة و صلابتها، و تماسکها أمام الأحداث، و قد ورث أبوالفضل هذه الصفة الکریمة من أبیه الامام أمیرالمؤمنین علیهالسلام الذی هو أشجع انسان فی دنیا الوجود، کما ورث هذه الصفة من أخواله الذین تمیزوا بهذه الظاهرة، و عرفوا بها من بین سائر الأحیاء العربیة.
لقد کان أبوالفضل دنیا فی البطولات، فلم یخالج قلبه خوف و لا رعب فی الحروب التی خاضها مع أبیه کما یقول بعض المؤرخین، و قد أبدی من الشجاعة یوم الطف ما صار مضرب المثل علی امتداد التاریخ، فقد کان ذلک الیوم من أعظم الملاحم التی جرت فی الاسلام، و قد برز فیه أبوالفضل أمام تلک القوی التی ملأت البیداء فجبن الشجعان و أرعب قلوب عامة الجیش،
فزلزلت الأرض تحت أقدامهم و خیم علیهم الموت، و راحوا یمنونه باعطاء القیادة العامة ان تخلی عن مساندة أخیه، فهزأ منهم العباس، و زاده ذلک تصلبا فی الدفاع عن عقیدته و مبادئه.
ان شجاعة أبیالفضل علیهالسلام، و ما أبداه من البسالة یوم الطف لم تکن من أجل مغنم مادی من هذه الحیاة، و انما کانت دفاعا عن أقدس المبادیء الماثلة فی نهضة أخیه سیدالشهداء المدافع الأول عن حقوق المظلومین و المضطهدین.
مع الشعراء:
و بهر شعراء الاسلام بشجاعة أبیالفضل، و قوة بأسه و ما ألحقه بالجیش الأموی من الهزیمة الساحقة، و فیما یلی بعض الشعراء الذین هاموا بشخصیته.
1 – السید جعفر الحلی:
و وصف الشاعر العلوی السید جعفر الحلی فی رائعته ما منی به الجیش الأموی من الرعب و الفزع من أبیالفضل علیهالسلام یقول:
وقع العذاب علی جیوش أمیة
من باسل هو فی الوقائع معلم
ما راعهم الا تقحم ضیغم
غیران یعجم لفظه و یدمدم
عبست وجوه القوم خوف الموت
و العباس فیهم ضاحک یتبسم
قلب الیمین علی الشمال و غاص فی
الأوساط یحصد للرؤوس و یحطم
ما کر ذو بأس له متقدما
الا وفر و رأسه المتقدم
صبغ الخیول برمحه حتی غدا
سیان أشقر لونها و الأدهم
ما شد غضبانا علی ملمومه
الا و حل بها البلاء المبرم
و له الی الاقدام نزعة هارب
فکأنما هو بالتقدم یسلم
بطل تورث من أبیه شجاعة
فیها أنوف بنی الضلالة ترغم
أرأیتم هذا الوصف الرائع لبسالة أبیالفضل و قوة بأسه و شجاعته النادرة.
أرأیتم کیف وصف الحلی ما حل بالجیش الأموی من الجبن الشامل، و الهزیمة الساحقة حینما برز الیهم قمر بنیهاشم و بطل الاسلام فأنزل بهم العذاب الألیم، و ترک صفوفهم تموج من الخوف و الرعب، و کان العباس متبسما مثلوج الفؤاد مما ینزل بهم من الخسائر الفادحة، فقد ملأ ساحات المعرکة بجثث قتلاهم، و صبغ خیولهم بدمائهم، و فیما أحسب أنه لم توصف البسالة و الشجاعة بمثل هذا الوصف الرائع الدقیق، و الذی لا مبالغة فیه حسبما تحدث الرواة عما أنزله العباس علیهالسلام بأهل الکوفة من الخسائر الجسیمة.
و یستمر السید الحلی فی وصف شجاعة أبیالفضل فیقول:
بطل اذا رکب المطهم خلته
جبلا أشم یخف فیه مطهم
قسما بصارمه الصقیل و اننی
فی غیر صاعقة السماء لا أقسم
لولا القضا لمحا الوجود بسیفه
و الله یقضی ما یشاء و یحکم
لقد کان سیف أبیالفضل صاعقة مدمرة قد حلت بأهل الکوفة، و لولا قضاء الله لأتی العباس علی الجیش، و محاهم من ساحة الوجود.
2 – الامام کاشف الغطاء:
و بهر الامام محمد الحسین کاشف الغطاء رحمه الله بشجاعة أبیالفضل فقال فی قصیدته العصماء:
و تعبس من خوف وجوه أمیة
اذا کر عباس الوغی یتبسم
علیم بتأویل المنیة سیفه
تزول علی من بالکریهة معلم
و ان عاد لیل الحرب بالنقع ألیلا
فیوم عداه منه بالشر أیوم
لقد عبست وجوه الجیش الأموی رعبا و خوفا من أبیالفضل الذی حصد رؤوس أبطالهم، و حطم معنویاتهم، و أذاقهم وابلا من العذاب الألیم.
3 – الفرطوسی:
و عرض شاعر أهل البیت علیهمالسلام الشیخ عبدالمنعم الفرطوسی نضرالله مثواه فی ملحمته الخالدة الی شجاعة أبیالفضل و بسالته فی میدان الحرب قال:
علم للجهاد فی کل زحف
علم فی الثبات عند اللقاء
قد نما فیه کل بأس و عز
من علی بنجدة و اباء
هو ثبت الجنان فی کل روع
و هو روع الجنان من کل راء
و أضاف الفرطوسی مصورا ما أنزله أبوالفضل من الخسائر الفادحة فی جیوش الأمویین قال:
فارتقی صهوة الجواد مطلا
علما فوق قلعة شماء
و تجلی و الحرب لیل قثام
قمرا فی غیاهب الظلماء
فاستطارت من الکماة قلوب
أفرغت من ضلوعها کالهواء
و تهاوت جسومهم و هی صرعی
و استطارت رؤوسهم کالهباء
و هو یرمی الکتائب السود رجما
بالمنایا من الید البیضاء (1).
ان شجاعة أبیالفضل قد أدهشت أفذاذ الشعراء، و صارت مضرب المثل علی امتداد التاریخ، و مما زاد فی أهمیتها انها کانت لنصرة الحق و الذب عن المثل و المبادیء التی جاء بها الاسلام، و انها لم تکن بأی حال
من أجل مغنم مادی من مغانم هذه الحیاة.
1) ملحمة أهل البیت 3 / 330 – 329.