جستجو
این کادر جستجو را ببندید.

العقیلة

زمان مطالعه: 6 دقیقه

و کیف ما کان فالمهم فی هذا العنوان النظر فی العقیلة الکبری التی هی أعظمهن قدرا و اجلهن شأنا فانها شظیة من شظایا النبوة و فلذة من أفلاذ الامامة و هی الجوهرة الفردة التی ضمها الیه صدف القداسة (الزهراء الطاهرة) علیهاالسلام و انجب بها سید الأوصیاء.

بجلال احمد فی مهابة حیدر

قد انجبت ام الأئمة زینبا

فکانت شریکة الامامین سیدی شباب أهل الجنة فی ذلک المرتکض الطاهر و الحجر الزاکی و الصلب القادس و اللبان السائغ و التربیة الالهیة.

اضف الی ذلک العلم المتدفع و الفقه الناجع و قد شهد لها ابن اخیها السجاد علیه‏السلام (بأنها عالمة غیر معلمة

و فاهمة غیر مفهمة) (1) و حسبها من الخطر ان ما انحنت علیه الاضالع هو ذلک العلم المفاض علیها من ساحة القدس الالهی لا بارشاد معلم أو تلقین مرشد مع البلاغة فی المنطق و البراعة فی الافاضة کأنها تفرغ عن لسان أبیها الوصی:

و عن الوصی بلاغة خصت بها

اعیت برونقها البلیغ الاخطبا

ما استرسلت الا و تحسب انها

تستل من غرر الخطابة مقضبا

أو انها الیزنی فی ید باسل

اخلا به ظهرا و اوهی منکبا

او انها تقتاد منها فیلقا

و تسوق من زمر الحقایق موکبا

أو ان فی غاب الامامة لبوة

لزئیرها عنت الوجوه تهیبا

أو انها البحر الخضم تلاطمت

أمواجه علما حجی بأسا ابا

أو ان من غضب الاله صواعقا

لم تلف عنها آل حرب مهربا

أو ان حیدرة علی صهواتها

یفنی کرادیس الضلال ثباثبا

أو انه ضمته ذروة منبر

فأنار نهجا للشریعة ألحبا

أو ان فی اللاؤی عقیلة هاشم

قد فرقت شمل العمی أیدی سبا (2).

و لم تکن هذه البراعة و الاسترسال فی القول الا عما انطبع فیها من النفسیات القویة و الملکات الفاضلة ممتزجة بثبات جأش و طمأنینة نفس و شجاعة ان شئت فسمها بالادیبة والا فهی فوق ذلک، و کانت تلقی خواطرها بین تلک المحتشدات الرهیبة أو فقل بین الناب المخلب غیر متعتعة و لا متلعثمة و تقذفها کالصواعق علی مجتمع خصومها فکانت اعمالها و خطبها الجزء الأخیر للعلة من نهضة السبط الشهید و اصبحت تمام الفضیحة للامویین بما نشرته بین الملأ من صحیفتهم السوداء حتی ضعضعت عرش دولتهم و فککت

عری سلطانهم و الصقت بهم العار من کل النواحی فکانت شریکة الامام الشهید فی هذه الفضیلة:

و تشاطرت هی و الحسین بدعوة

حتم القضاء علیهما ان یندبا

هذا بمشتبک النصول و هذه

فی حیث معترک المکاره فی السبا

و هذه النفسیة التی حوتها و الثبات الذی انطوی علیه أضالعها أوجب لأخیها الشهید أن: یصحبها فی سفره الی مشهد الطف علما منه بلیاقتها لتلقی الاسرار کما هی و أدائها فی مورد الاداء کما یجب، و هذا هو الذی اهلها لتحمل شطر مما یحمله الامام بعد حادثة الطف حفظا للسجاد عن عادیة الأعداء فکان یرجع الیها فی معرفة الاحکام الشرعیة وان کان المرجع الیها زین العباد علیه‏السلام.

ففی الحدیث عن أحمد بن ابراهیم قال دخلت علی حکیمة بنت الجواد علیه‏السلام اخت أبی‏الحسن الهادی فکلمتها من وراء حجاب و سألتها عن دینها فسمت من تأتم بهم علیهم‏السلام ثم قالت و الحجة بن الحسن بن علی فسمته قلت لها جعلنی الله فداک معانیة أو خبرا قالت خبر عن أبی‏محمد الحسن بن علی کتب به الی امه فقلت لها فأین

الولد قالت مستور قلت الی من تفزع الشیعة قالت الی الجدة أم أبی‏محمد علیهاالسلام فقلت لها اقتدی بمن وصیته الی امرأة فقالت اقتداء بالحسین بن علی فانه أوصی الی اخته زینب بنت علی فی الظاهر فکان ما یخرج من علی بن الحسین من علم ینسب الیها سترا علی علی بن الحسین علیه‏السلام (3).

و للیقین الثابت و البصیرة النافدة لم تکترث بشی‏ء من الاهوال و لا راعها الهزاهز منذ مشهد الطف الی حین وصولها المدینة وکان بمنظر منها مصارع آل الله نجوم الارض من آل عبدالمطلب و بینهم سید شباب أهل الجنة بحالة تنفطر لها السموات و تنشق الأرض و تخر الجبال هدا.

و لیس معها من حماتها حمی و لا من رجالها ولی غیر الامام المضنی الذی أنهکته العلل، و نسوة فی الاسر مکتنفة بها بین شاکیة و باکیة و طفل کظه العطش الی اخری أقلقها الوجل.

و أمامها الجیش الفاتح الجذر بسکرة الظفر و بشر الشماتة و دعة السلام و الفرح بالغنیمة و مخیم آل بیت الله

طنبت علیه الکوارث و المحن، فقد الحماة و الخوف من الاعداء، و الاوام المبرح، و نحیب و نشیج، و شراخ و عولة.

و العقیلة فی کل هذه الأحوال هی المهدئة لفورتهن و المسکنة لروعتهن فلم یشاهد منها عزم خائر و لا جأش مأئر و لا صرخة عالیة و لا ذهول عن أمر الحرم.

کیف و هی بقیة أمیرالمؤمنین و نائبة الحسین علی تلکم الاحوال و الناهضة الکریمة الی مغزی أخیها و المتممة لقصده الراقی و امره الرشید.

نعم اهمها من بین ذلک شی‏ء رأته نظرت الی ابن أخیها السجاد یجود بنفسه حینما شاهد تلک الجثث الزواکی تصهرها الشمس فعظم علیها أمر الامام فأخذت تصبره و تسلیه و هو الذی لا توازن بصبره الجبال و فیما قالت له: (ما لی أراک تجود بنفسک یا بقیة جدی و أبی و اخوتی فوالله ان هذا لعهد من الله الی جدک و أبیک و عمک و لقد أخذ الله میثاق اناس من هذه الامة لا تعرفهم فراعنة هذه الارض و هم معروفون فی أهل السموات انهم یجمعون هذه الاعضاء المتفرقة و الجسوم المضرجة فیوارونها و ینصبون بهذا الطف علما لقبر أبیک سیدالشهداء لا یدرس أثره و لا یعفو رسمه علی مرور اللیالی و الایام و لیجتهدن أئمة الکفر و اشیاع

الضلال فی محوه و تطمیسه فلا یزداد أثره الا ظهورا و أمره الا علو) (4).

و هل بعد هذا یبقی مجال للشک فی موقفها من الثبات و محلها من الطمأنینة و مبوئها من العظمة.

وان حدیث الرواة لما وقفت علی جسد أخیها و قالت: (اللهم تقبل منا هذا القربان) (5) یدلنا علی تبوئها عرش الجلالة و انها المأخوذ علیها المیثاق بتلک النهضة المقدسة کأخیها الحسین و ان کان التفاوت محفوظا بینهما حتی ان احدهما لما أتم النهوض بالعهد و خرج عن العدة بازهاق نفسه المطهرة نهض الآخر بما وجب علیه و منه تقدیم (الذبیح) الی ساحة الجلال الربوبی و التعریف به ثم طفقت سلام الله علیها ناهضة ببقیة الشؤون التی وجبت علیها و لا استبعاد فی ذلک بعد وحدة النور. و تفرد العنصر.

ثم هلم معی لنقرأ موقفها امام ابن‏مرجانة و قد احتشد المجلس بوجوه الکوفة و اشرافها و هی امرأة عزلاء لیس معها الا مریض یعانی ألم القیود و نساء ولهی و صبیة تئن فأفرغت عن لسان أبیها بکلام أنفذ من السهم واحد من شبا السیوف

و القمت ابن‏مرجانة حجرا اذ قالت له: (هؤلاء قوم کتب الله علیهم القتل و سیجمع الله بینک و بینهم فتحاج و تخاصم فانظر لمن الفلج ثکلتک أمک یا ابن‏مرجانة.

و أوضحت للملأ المتغافل خبثه و لؤمه و انه لن یرحض عنه عارها و شنارها کما انها ادهشت العقول و حیرت الفکر فی خطبتها بالناس و الناس یومئذ حیاری یبکون لا یدرون ما یصنعون و انی یرحض عنهم العار بقتلهم سلیل النبوة و معدن الرسالة و سید شباب أهل الجنة و قد خاب السعی و تبت الأیدی و خسرت الصفقة و باؤوا بغضب من الله و خزی فی الآخرة و لعذاب الله أکبر لو کانوا یعلمون.

کما انها اظهرت أمام ابن‏میسون اسرار نهضة أخیها الحسین و عرفت الامة طغیان یزید و ضلال أبیه و فظاعة أعمالهم و عظیم ما اقترفوه و فیما قالت له: «أظننت یا یزید حیث أخذت علینا اقطار الأرض وآفاق السماء فأصبحنا نساق کما تساق الاساری ان بنا علی الله هوانا و بک علیه کرامة. الی آخر کلامها» (6).

و لهذه الفصاحة الدقیقة جاء بها شهید العز و الاباء الی العراق لعلمه ان الغایة التی یضحی بنفسه لأجلها ستذهب أدراج السلطة الغاشمة و تبقی الحقیقة مستورة علی السذج لو لم یتعقبها لسان ذرب وان کل احد لا یستطیع فی ذلک الموقف الحرج الذی تحفه سیوف الظلم ان یتکلم بالحقیقة مهما بلغ من المنعة فی عشیرته الا العقیلة فانها التی تعلن بموبقات ابن‏مرجانة و ابن‏معاویة و ان ما جری علی ابن‏عفیف الازدی شاهد له.

کما انه علیه‏السلام کان علی یقین و ثقة باخبار جده الرسول صلی الله علیه و آله و سلم ان القوم و ان بلغوا الخسة و الغوایة و تناهوا فی الخروج عن سبیل الحمیة لا یمدون الی النساء ید السوء و قد أنبأ سلام الله علیه عن هذا بقوله لهن ساعة الوداع «البسوا أزرکم و استعدوا للبلاء و اعلموا ان الله حامیکم و حافظکم و سینجیکم من شر الاعداء و یجعل عاقبة أمرکم الی خیر و یعذب أعادیکم بأنواع العذاب و یعوضکم عن هذه البلیة بأنواع النعم والکرامة فلا تشکوا و لا تقولوا بألسنتکم ما ینقص من قدرکم» (7).

فکان فی مجی‏ء الحسین بالعقیلة فوائد أهما تنزیه دین

النبی صلی الله علیه و آله و سلم عما الصقوه بساحته من الاباطیل و لا قبح فیه عقلا کما لا یستهجنه العرف و یساعد علیه الشرع.

و المرأة وان وضع الله عنها الجهاد و مکافحة الاعداء و امرها سبحانه أن تقر فی بیتها فذلک فیما اذا قام بتلک المکافحة و دافع عن قدس الشریعة غیرها من الرجال و اما اذا توقف اقامة الحق و نصرة الدین علیها فقط کان الواجب النهوض بعب‏ء ذلک کله کی لا تندرس آثار الحق و تذهب تضحیة اولئک الصفوة دونه ادراج التمویهات و لذلک نهضت سیدة نساء العالمین للدفاع عن خلافة الله الکبری حین أخذ العهد علی سید الأوصیاء بالسکوت.

علی ان الخضوع لناموس عصمة الامام فی جمیع أقواله و أفعاله الصادرة عنه طیلة حیاته یحتم علینا الاذعان بأن ما صدر منه منبعث عن حکم الهی قرأه فی الصحیفة الخاصة به التی یخبر الصادق علیه‏السلام عنها «ان لکل واحد منا صحیفة یعمل بها فیها» و یقول الامام الباقر فیتقدم علم من رسول الله قام علی والحسین و بعلم صمت من صمت منا کما انه علیه‏السلام أعلم بذلک جابر الأنصاری حین قال له الا تصالح کما صالح أخوک الحسن فقال ان أخی فعل بأمر من الله ورسوله و أنا أفعل بأمر من الله و رسوله.

فهذه الاحادیث تفیدنا نموذجا من الاهتداء الی معرفة سیر الامام فی جمیع أفعاله و انها ناشئة عن حکم ربانیة لا یتطرق الیها الشک و الریب و لیس الواجب علینا الا التصدیق بکل ما یصدر منه من دون ان یلزمنا الشرع أو العقل بمعرفة المصالح الباعثة علی تلک الافعال الصادرة منه سواء کانت الافعال فی العرف و العادة فظیعة جدا أم لا.


1) احتجاج الطبرسی ص 166 طبع النجف و الطراز المذهب و الکبریت الاحمر ج 2 ص 17.

2) من قصیدة للعلامة میرزا محمد علی الاوردبادی طبعت فی کتاب (زینب الکبری(.

3) اکمال الدین للصدوق ص 275 و الغیبة للشیخ الطوسی ص 148.

4) کامل الزیارة.

5) الکبریت الاحمر ج 3 ص 17 عن الطراز المذهب.

6) رواها احمد بن ابی‏طاهر طیفور من اعلام القرن الثالث فی بلاغات النساء ص 21 النجف والخوارزمی فی المقتل مخطوط و الطبرسی فی الاحتجاج ج 2 ص 308 و الصدوق فی الامالی ص 142.

7) جلاء العیون للمجلسی.