نشأ أبوالفضل العباس علیهالسلام نشأة صالحة کریمة، قلما یظفر بها انسان فقد نشأ فی ظلال أبیه رائد العدالة الاجتماعیة فی الأرض، فغذاه بعلومه و تقواه، و أشاع فی نفسه النزعات الشریفة، و العادات الطیبة لیکون مثالا عنه، و انموذجا لمثله، کما غرست أمه السیدة فاطمة فی نفسه، جمیع
صفات الفضیلة و الکمال، و غذته بحب الخالق العظیم فجعلته فی أیام طفولته یتطلع الی مرضاته و طاعته، و ظل ذلک ملازما له طوال حیاته.
و لازم أبوالفضل أخویه السبطین رسول الله صلی الله علیه و آله الحسن و الحسین سیدی شباب أهل الجنة فکان یتلقی منهما قواعد الفضیلة، و أسس الآداب الرفیعة، و قد لازم بصورة خاصة أخاه أبا الشهداء الامام الحسین علیهالسلام فکان لا یفارقه فی حله و ترحاله، و قد تأثر بسلوکه، و انطبعت فی قرارة نفسه مثله الکریمة و سجایاه الحمیدة حتی صار صورة صادقة عنه یحکیه فی مثله و اتجاهاته، و قد أخلص له الامام الحسین کأعظم ما یکون الاخلاص و قدمه علی جمیع أهل بیته لما رأی منه من الود الصادق له حتی فداه بنفسه.
ان المکونات التربویة الصالحة التی ظفر بها سیدنا أبوالفضل العباس علیهالسلام قد رفعته الی مستوی العظماء و المصلحین الذین غیروا مجری تاریخ البشریة بما قدموه لها من التضحیات الهائلة فی سبیل قضایاها المصیریة، و انقاذها من ظلمات الذل و العبودیة.
لقد نشأ أبوالفضل علی التضحیة و الفداء من أجل اعلاء کلمة الحق، و رفع رسالة الاسلام الهادفة الی تحریر ارادة الانسان، و بناء مجتمع أفضل تسوده العدالة و المحبة، و الایثار، و قد تأثر العباس بهذه المبادیء العظیمة و ناضل فی سبیلها کأشد ما یکون النضال، فقد غرسها فی أعماق نفسه، و دخائل ذاته أبوه الامام أمیرالمؤمنین و أخواه الحسن و الحسین علیهمالسلام، هؤلاء العظام الذین حملوا مشعل الحریة و الکرامة، و فتحوا الآفاق المشرقة لجمیع شعوب العالم و أمم الأرض من أجل کرامتهم و حریتهم، و من أجل أن تسود العدالة و القیم الکریمة بین الناس.