روی لنا الحاج الشیخ عباس نجل المرحوم الشیخ محمد علی الکیشوان، من داخل حرم العباس علیهالسلام، و علی مشهد جمع غیر قلیل من الأصدقاء و زوار العباس علیهالسلام، حیث قال لی: و لهؤلاء و أمام شباک و ضریح العباس علیهالسلام، و بالحرف:
»فی عام 1968 و قبیل الساعة العاشرة مساء و عند الشروع و البدء فی غلق باب حرم العباس علیهالسلام القبلی، و بعد أن تم غلق بقیة أبواب الحرم الأخری، شاهدت عن بعید وقوف سیارة مرسیدس استیشن، أمام باب قبلة العباس علیهالسلام، و نزل منها ثلاثة رجال مع امرأتین برفقة طفلة (بنت(، مریضة و بعمر یناهز اثنی عشرة سنة، حیث کانت مسجاة فوق فراشها.
قام الرجال و أحدهم کان أباها و یدعی (زبلان(، بنقل الطفلة و هی فی فراشها و وضعوها فی أدنی الصحن المحیط بالحرم المقدس، حیث کان یسمح فی ذلک الوقت بمنام الزوار فی داخل الصحن، رغم غلق أبوابه عند منتصف اللیل عدا لیالی الجمع حیث تظل أبواب الحرم و الصحن مفتوحة حتی الصباح.
و عند وصولی الیهم طلب الرجال منی و الذین هم من أهالی الدلیم
الأنبار طلبوا منی وضع الطفلة المریضة فی صباح الغد فی الحرم و ربطها بشباک العباس علیهالسلام، لعل الله تعالی یعافیها، مما تشکو منه، لأنهم قد یئسوا من حالتها الصحیة.
ثم غادر الرجال الثلاثة المکان بعد أن أعطوا النساء رقم هاتف خاص لفرض الاتصال بهم فی حالة وفاة البنت، أو حدوث شیء آخر.
و فی فجر الیوم الثانی و عند فتح أبواب الحرم قمت و بمساعدة آخرین من خدم الروضة، بنقل البنت و هی نائمة فی فراشها، و کانت لا تکاد تخرج أن تکون هیکلا عظمیا، و أنها لا تأکل و لا تشرب الا قطرات من الماء، و السوائل التی تسکب فی فمها، بین فترة و أخری الی داخل الحرم.
نعم تم نقلها الی داخل الحرم و قمت بدوری بربطها بالشباک، بقطعة من القماش و الدعاء الی الله تعالی فی أن یعافیها من علتها التی تشکو منها.
و هکذا استقر الحال علی هذا المنوال أی نقلها یومیا عند الصباح الی الحرم و ربطها بالشباک و اعادتها فی اللیل و عند اغلاق الحرم الی مکانها فی الصحن، استمر الحال لمدة سبعة أیام متتالیة.
و فی الیوم السابع و الأخیر و کالعادة و عند فتح الحرم صباحا نقلنا البنت الی الحرم و تم ربطها الی الشباک، و بعد ذلک قمت بأداء بعض الصلوات و النوافل.
و فیما کنت منشغلا فی أداء هذه الصلوات و اذا بی أسمع أم الطفلة تنادی: بصوت عال داخل الحرم «یا ابنتی یا حبیبتی«.
و لم أکن أعرف سبب صدور هذا الصیاح أو حقیقته الا أنی شعرت بأن هناک شیئا جدیدا، ربما قد حصل للبنت…
لذا أسرعت فی انهاء الصلاة و توجهت أثرها الی المکان الذی ربطت فیه البنت، بالشباک، و الذی لا یبعد عن مکان صلاتی کثیرا، و عند وصولی الی هناک وجدت فراش البنت خالیا منها، و لیس للبنت أثر.
ظننت أن هناک خلافات عشائریة بین قبیلة البنت، و قبیلة أخری، قام أثرها أشخاص من القبیلة الأخیرة باختطافها، کما هو جاری بین بعض القبائل، لغرض املاء شروط معینة، أو لرد اعتبار أو سوی ذلک.
و بسبب ذلک قد ارتبکت کثیرا لأن مردود هذا الاختطاف لو حصل فربما، سینعکس علینا خدام الروضة العباسیة، حیث أنها باتت فی ذمتنا منذ أن حطت رحالها فی روضة العباس علیهالسلام.
لذا فقد قمت بالبحث عنها هنا و هناک، کما و کلفت من کان موجودا فی الحرم من الخدم بالتفتیش و البحث عنها فی أرجاء الصحن أو عند أبوابه، فی الشوارع القریبة.
و بینما کنت أبحث عنها فی أرجاء الحرم بما فیها رواقاته (أواوینه(، و الشمس لم تشرق بعد و اذا بی أجد أمامی بنتا فی احدی أروقة الحرم و هو الشمالی الشرقی، و هی تمشی و تتعثر فی مشیتها، و حیث أنی لم أکن أعرف شکلها جیدا، لذا فقد سألتها عمن تکون فأجابت:
»أنا التی کنت نائمة بجوار شباک العباس علیهالسلام، لمدة سبعة أیام، حیث جاءنی سیدی هذا الیوم و طلب منی القیام و جئت معه الی هنا، و قد قلت الکلام لا زال للبنت له، من أنت؟ فقال: أنا الذی جئت الیه منذ أسبوع«.
و أضافت البنت فی حدیثها، «أن سیدی کان واقفا الی جواری حیث جئت الی هنا و لکن یظهر أنک لم تشاهده«.
و فی الحال ذهبت الی أهلها فی الخارج و نادیتهم فجاءوا الیها مسرعین، و لقد اجتمع الناس و ازدحموا حولها بأعداد کبیرة و هم یصلون علی محمد و علی آل محمد، کما أخذت النسوة باطلاق الزغارید و الهلاهل و أوشک هؤلاء المجتمعون أن یمزقوا ثیاب البنت للتبرک و المراد.
کما هی العادة فی مثل هذه الحالة، مما اضطررت لادخالها و وضعها فی احدی حجرات (غرف) الحرم الداخلیة الصغیرة و تقع هذه فی الجهة الشمالیة الشرقیة و التی لها نافذة مطلة علی الصحن الشرقی للروضة.
و بعد بزوغ الشمس بفترة قصیرة و انتشار خبر البنت و سماع الناس فی الخارج له تجمهروا بأعداد کبیرة عند نافذة شباک الحجرة، (الغرفة(، المطلة علی الصحن و تعالت منهم الصلوات علی محمد و آل محمد، و الهلاهل و الزغارید و ارتفعت الأصوات، حیث اختلط الحابل بالنابل (کما یقول المثل(.
و لقد تم الاتصال بالمتصرف (المحافظ) و کان حینذاک هو السید عبدالصاحب القرغولی أبوزمن) فجاء المحافظ فی الحال و طلب مخاطبة البنت بنفسه، حیث فتحت له باب الحجرة.
ثم طلبت البنت منی شیئا من الطعام، فجلبت لها الفطور، و کان هذا علی ما أتذکر هو (بامیة) علی خبز منقوع، فأکلته.
کما وصل الی ذلک المکان سادن الروضة العباسیة و هو السید بدر الدین ضیاء الدین بعد أن أوصل الناس الیه الخبر و تکلم هو بدوره معها.
و طلبت أنا هنا من المحافظة تأمین اخراج البنت من الحجرة الی خارج الصحن، لأن الناس قد تضاعف عددهم و سیمزقون کل ثیاب البنت، فیما لو خرجت من دون حمایة، شر ممزق لغرض التبرک بها.
و أجابنی المحافظ بأن هذا الأمر هو من صلاحیة و اختصاص خدمة الروضة و الأوقاف، و لیس من صلاحیاتنا و وعد بأنه سیوعز الی مدیر الأوقاف للمجیء الی هنا فورا للمساعدة فی اخراج البنت الی الخارج بسلام و أمان.
و بالفعل جاء السید مدیر الأوقاف و کان یدعی «ترکی حسن» أبوغازی، الی الروضة و بمساعدة خدمة الروضة و من یعتمد علیهم من الناس أمکن صنع زنجیل و جدار محکم من الأیدی استطعنا عبره اخراج البنت من داخل الحجرة.
و التی تسیر علی قدمیها داخل هذا الزق المحکم و المحاط من
الخارج بالحشود الکبیرة من جماهیر البلدة و التی لا تعد و لا تحصی، و التی کانت تردد الصلوات علی محمد و آل محمد، و الهلاهل و الزغارید.
نعم أمکن ایصالها بسلام الی السیارة التی کانت واقفة عند باب قبلة العباس علیهالسلام، و التی جاء بها أهلها الی کربلاء بعد سماعهم بالخبر، باتصال هاتفی، انطلقت السیارة بها من أمام باب قبلة العباس علیهالسلام، بین الآلاف المؤلفة من الناس الی بلدهم فی محافظة الدلیم (الأنبار) (1).
1) قمر بنیهاشم، عبدالرزاق المقرم، ص 80.