و من الأمثلة، أنک لا تطلب من الشجرة الخبیثة، فاکهة طیبة. و طعاما طیبا.
إن الطعام غذاء البدن، و الأخلاق غذاء الروح.
و إن وظیفة الأنبیاء تنصب علی هذا المعنی، أی أنها تهتم قبل کل شیء بإیجاد الشجرة.. و الشجرة موجودة فی کل نفس و هی شجرة الفطرة التی تهتم بغذاء الروح و البدن. فإذا وجدت الشجرة أعطت الثمر، و أخذت أنت منها الثمر.. أما إذا لم تکن هناک شجرة، فکیف تأخذ منها الثمر؟
و من هنا فإن قراءة السیرة الذاتیة لأبی الفضل تنعش الفطرة السلیمة فی داخلنا و تجعلنا قادرین علی الدفاع عن الحق و الحریة و المساواة، فی زمن ردیء ماتت فیه هذه القیم و المبادیء و هذه باقة من الأمثلة:
یقول الحق سبحانه:
(و قلنا یا آدم اسکن أنت و زوجک الجنة، و کلا منها رغدا حیث شئتما و لا تقربا هذه الشجرة فتکونا من الظالمین) (1).
علی أن الملاحظة التی تجدر الإشارة إلیها هی أن هذه الشجرة موجودة هنا فی الدنیا و فی الآخرة أیضا توجد شجرة طوبی، مقابل هذه و الأشجار هنا مختلفة، شجرة طیبة، و شجرة خبیثة..
و هی نفسها نراها علی حقیقتها یوم القیامة و فی الآخرة..
فالشجرة الطیبة، هنا نجدها هنالک فی شجرة طوبی أو أنها تنبت هناک
شجرة طوبی.. و الشجرة الخبیثة هنا، تنبت هناک شجرة الزقوم «إن شجرة الزقوم طعام الأثیم«.
و یقول القرآن: (أذلک خیر نزلا أم شجرة الزقوم إنا جعلناها فتنة للظالمین، إنها شجرة تخرج فی أصل الجحیم.. طلعها کأنه رؤوس الشیاطین(. و إنما قال طلعها کأنه رؤوس الشیاطین، لأن الجزاء من نفس العمل، فعمل الشیطان هنا، یتحول هناک أو یکون للکافر، شجرة الزقوم فی حین أن العمل الصالح یتحول هناک إلی شجرة طوبی التی هی فی الجنة.
و اقرأوا معی إذا شئتم الکلمات التالیة المتنوعة التی کتبتها فی تفسیر معنی الشجرة الطیبة و ضدها لتعمیم الفائدة:
یقول القرآن الکریم:
(هو الذی أنزل من السماء ماء لکم منه شراب و منه شجر فیه تسیمون، ینبت لکم به الزرع و الزیتون و النخیل و الأعناب، و من کل الثمرات، إن فی ذلک لآیة لقوم یتفکرون) (2).
تسیمون: أی ترعون أنعامکم..
و المسألة هی مسألة التفکیر، فمن دون تفکیر لا یمکن أن تأخذ نتیجة، و لا ثمرة: أی و لا تحصل علی ثمرة.
و جاء فی الشجرة الخبیثة، عن الإمام الباقر علیهالسلام – هی بنو أمیة، اجتثت من فوق الأرض أی اقتلعت جثتها، من فوق الأرض – و لا حظوا هل بقی منهم شیء، من بنیأمیة أو بنیالعباس.. أو الظلمة و أعوان الظلمة. – ثم یقول الحق سبحانه: (یثبت الله الذین آمنوا بالقول الثابت)
أی بکلمة التوحید المتمکنة فی قلوبکم بالحجة (فی الحیاة الدنیا، و فی الآخرة(.
إلی آخر الآیات…
و نقرأ فی القرآن الکریم:
(و یا آدم اسکن أنت و زوجک الجنة فکلا من حیث شئتما، و لا تقربا هذه الشجرة فتکونا من الظالمین) (3).
و فی القرآن الکریم، نجد إشارات خاطفة للشجرة، فمثلا، هناک مع آدم کانت الشجرة المحرمة.. و فی المقابل یتحدث مع موسی فیذکر له اللقاء الذی تم عند الشجرة.
یقول: (فلما أتاها نودی من شاطیء الواد الأیمن فی البقعة المبارکة من الشجرة أن یا موسی إنی أنا الله رب العالمین) (4).
و یقول فی مکان آخر:
(لقد رضی الله عن المؤمنین إذ یبایعونک تحت الشجرة، فعلم ما فی قلوبهم، فأنزل السکینة علیهم، و أثابهم فتحا قریبا) (5).
ثم نقرأ هذه الآیة:
(إن شجرة الزقوم طعام الأثیم کالمهل یغلی فی البطون، کغلی الحمیم الخ(. (6).
و بالنسبة لیونس علیهالسلام نقرأ قوله تعالی:
(فنبذناه بالعراء، و هو سقیم و أنبتنا علیه شجرة من یقطین، الخ) (7).
و فی آیة أخری نقرأ قوله تعالی:
(و شجرة تخرج من طور سیناء تنبت بالدهن و صبغ للأکلین) (8).
و فی محبة أهل البیت جاء عن أبیعبیدة عن أبیعبدالله علیهالسلام قال: من أحبنا فهو من أهل البیت، فقلت: جعلت فداک منکم؟ قال: منا والله أما سمعت قول الله و هو قول إبراهیم علیهالسلام: «فمن تبعنی فإنه منی» المیزان سورة ابراهیم ص 79 ج 12.
علی أن محبة أهل البیت هی التی تسقی عطش الشجرة و تروی ظمأ الفطرة.
و لذلک شبه هذه الکلمة بالشجرة الطیبة. و الکلمة هی المحبة و العمل الصالح.
أی أنه شبه الکلمة الطیبة، و هی الإیمان الثابت فی قلب المؤمن الذی یرفع به عمله إلی السماء کما قال: إلیه یصعد الکلم الطیب، و العمل الصالح یرفعه.
و تنال برکته و ثوابه فی کل وقت، فالمؤمن کلما قال لا إله إلا الله، صعدت إلی السماء و جاءت برکتها، و خیرها. و شبه بالشجرة المثمرة الجمیلة المنظر الشذیة الرائحة، التی لها أصل راسخ فی الأرض به یؤمن قلعها و زوالها. و فروعها متصاعدة، فی الهواء، الخ..
و خلاصة ذلک، أنه تعالی شبه کلمة الإیمان بشجرة ثبتت عروقها فی
الأرض، و علت أغصانها فی السماء و هی ذات ثمر فی کل حین، و ذلک أن الهدایة إذا حلت قلبا فأمنت منه علی غیره، و ملأت قلوبا کثیرة.
»و ما أقوی الحق و أثبته – و أهل الفکر و القلوب العظیمة، و النفوس الکبیرة، دائما یحملون الکلمة الطیبة لکل الأجیال«. و لهذا نجد الإمام الصادق علیهالسلام یخاطب أباالفضل العباس بهذا الخطاب:
»و الزاکیات الطیبات فیما تفتدی و تروع علیک یا ابن أمیرالمؤمنین«.
و ذلک أن أباالفضل هو من معادن الفضل و الإیمان و المعرفة.. و من نبع هذه الشجرة الطیبة و من أصولها الثابتة فی أعماق العقیدة و أفاق الإیمان علی أن أباعبدالله الصادق علیهالسلام إنما ضرب هذا المثال لیدلک أن مصیر الطیبات إلی ازدهار و نمو، و مصیر الخبائث إلی الانهیار و المحو لأن الطیبات قائمة بالحق، والحق أسرع إلی قلوب الناس، و أسرع إلی الفطرة، لأن له جذور فی القلوب، و لذلک نجد الإنسان الطیب له محبوبیه فی الناس و فی قلوبهم بعکس الإنسان الذی هو خبیث فإنه و أن بدا أنه فی المجتمع لکنه ینتهی، و ینعدم لأنه لیس له جذور، و لا أصول، و أنه أشبه ببساط مفروش فوق الأرض سرعان ما ینقلع و یطیر إذا هبت علیه ریاح الحقیقة و عاصفة الواقع.
و فی القرآن الکریم حینما یتحدث عن الشجرة الطیبة و کیف تعطی ثمارها یقول «بإذن ربها» أی أنه أذن و أجاز و لولا إجازته سبحانه لم تکن و لم تؤت ثمرا. و لذا جاء بلفظ الأذن الخ – مثل و البلد الطیب یخرج نباته بإذن ربه، و الذی خبث لا یخرج إلا نکدا -.
و لاحظوا هنا فی القسم الطیب قال بإذن ربه، و ربها، و فی الخبیث لم یقل بإذن الله.
و إنما ترکها هکذا. لأن الله لا یأذن بالشیء الخبیث و إنما یأذن بالطیب و النافع.
ثم یقول: «و یضرب الأمثال للناس» لأن المثل یحرک أمواج الفکر.. و مشاعر النفس الخ.
و السر أن الحق یدخل القلوب بها أودع الله فیها من حب ذاتی للحق، و کره ذاتی للباطل، و الباطل إنما یأخذ السطوح، و ما یبقی فی القلب فی أمن من الخطر و الغیر.. أما ما فی السطوح فإنه یزول بأقل حرکة، و لذا قال الفرزدق للحسین علیهالسلام: قال: قلوب الناس معک، و سیوفهم مع بنیأمیة – و قد رأینا کیف زالت بنوأمیة لما وقعت من أیدیهم السیوف، و کیف بقی الحسین علیهالسلام – و فی الآیة: (فاجعل أفئدة من الناس تهوی إلیهم(.
و لهذا السر عاش الأنبیاء و الأئمة فی القلوب و فی الحیاة بینا لم یبق من الجبارین أحد.
شجرة طیبة، ثابتة سامقة مثمرة، ثابتة لا تزعزها الأعاصیر و لا تعصف بها ریاح الباطل، و لا تقوی علیها معاول الطغیان، و إن خیل للبعض أنها معرضة للخطر الخ. و هی مثمرة ثمرها لا ینقطع ثمرها، لأن بذورها تنبت فی النفوس المتکاثرة آنا بعد آن.
و الخبیثة و إن بدت نافشة هشة ولکنها تظل بلا جذور فی التربة و لذا فإن زوالها سریع و متیقن. لأن الطیبة موزونة بالحق بینما الخبثیة لا وزن لها.. و الحق خالد لا یعتریه فناء.
1) سورة البقرة؛ آیة: 35 ج 2.
2) سورة النحل؛ الآیتان: 11 – 10.
3) سورة الأعراف؛ الآیتان: 25 – 19 ج 8.
4) سورة القصص؛ آیة: 30 ج 20.
5) سورة الفتح؛ آیة: 18 ج 26.
6) سورة الدخان؛ الآیات: 46 – 43.
7) سورة الصافات؛ الآیة رقم 46 – 45 ج 25.
8) سورة المؤمنون؛ الآیة: 20 ج 18.