و أما القسم الثانی من العصمة، و هی العصمة العرضیة المکتسبة: فهی العصمة التی نالها أولیاء الله المخلصون بجدهم و جهدهم، و حصل علیها عبادالله الصالحون بتعبهم و عنائهم، و هم اولئک الذین عرفوا الله تعالی حق معرفته، و أیقنوا به عین الیقین، فأحسوه بکل وجودهم و کیانهم، و لمسوه بقلوبهم و أرواحهم، فآمنوا به أخلص الایمان، و أذعنوا له غایة الاذعان، و سلموا الیه منتهی التسلیم، و توکلوا علیه أصدق التوکل.
انهم علموا بأنه تعالی مطلع علیهم فاستحیوا من أن یعصوه، و أیقنوا بأنه
قادر علیهم فهابوا من أن یخالفوه، انهم اطمأنوا الی أنه تعالی سیحاسبهم علی ما عملوه فأحجموا الا عن البر و الاحسان، و عرفوا بأنه سیؤاخذهم علی ما قالوه فسکتوا الا عن المعروف و الخیر، و حسبوا بأنه سیجازیهم علی کل صغیرة و کبیرة، فعملوا بما أمر الله به حتی المستحبات فکیف بالواجبات و الفرائض؟ و اجتنبوا عما نهی الله عنه حتی المکروهات فکیف بالمعاصی و المحرمات؟
انهم لم یفکروا فی شیء الا فی عظمة الله و کبریائه، و عزته و قدرته، و علمه و حکمته، و حلمه و غضبه، و رأفته و رحمته، و آثاره و صنعه، و آلائه و نعمه، فرأوه أهلا للعبادة فعبدوه، و أهلا للشکر فشکروه، و أهلا للتعظیم و التقدیس فعظموه و قدسوه.
انهم عرفوا أن الدنیا و الهوی، و النفس و الشیطان، عدوا لهم، فاتخذوهم عدوا، فرغبوا عن الدنیا، و خالفوا أهواههم، و روضوا أنفسهم علی التقوی، و عصوا الشیطان، و أطاعوا الرحمن، و نفعوا عباد الله، و خدموا خلق الله، و أرضوا بذلک الرحمن، و أرغموا أنف الشیطان.
انهم اطمأنوا الی أنه تعالی طبیبهم فاتبعوا و صفته، و حکیمهم فانتهجوا حکمته، و ربهم و خالقهم فعملوا برضاه و اجتنبوا سخطه و غضبه، و رازقهم و هادیهم، فأحبوه و أخلصوا له فی حبه، و أحبوا من أمر الله تعالی بحبهم و مودتهم، و أبغضوا من أوجب الله تعالی بغضهم و عداوتهم، و أطاعوا من فرض الله تعالی طاعتهم، و خالفوا من أمرالله تعالی بمخالفتهم، و نصروا الله و دینه، و کانوا مع رسوله و أهلبیته، فقدموهم علی أنفسهم، و بذلوا أرواحهم وقاءا لهم، و استشهدوا بین أیدیهم.