من عادة الفارس الذی ینزل فی ساحة القتال أن یعرف نفسه من هو ما هی مبادئه و أخلاقه. و ما هی المبادیء التی یناضل و یقاتل من أجلها.
و من هذا المبدأ انطلقت شعارات أبیالفضل العباس التی أطلقها یوم عاشوراء فی مواطن عدیدة ففی وقوفه علی الماء و امتناعه من الشرب قبل أخیه الحسین کان له شعار یعکس المبدأ العظیم و المبادیء المقدسة التی حملها و قاتل من أجلها و منها الإیثار و المواساة، و الدفاع عن الحق، و العرض، و الشرف إلی آخر نبضة فی عروقه فکان یخاطب نفسه:
»یا نفس من بعد الحسین هونی«
»هذا الحسین وارد المنون«
»و تشربین بارد المعین«
»هیهات ما هذا فعال دینی«
»و لا فعال صادق الیقین«
فهو یؤکد هنا أن شرب الماء و الالتذاذ بطعمه فی مثل هذه الحالة یعد مخالفا لمبادیء و فعال الدین الإسلامی الحنیف.. لأنه دین الحق و الإیثار و المواساة و الأریحیة و النجدة.. دین التسجاعة و الکرم و البسالة، و لیس من النجدة أن أشرب الماء و إلی جواری نساء و أطفال صغار قد صرعهم العطش و هم یصرخون: العطش.. العطش قد قتلنا فهل إلی شربة ماء من سبیل؟
هذا کان شعاره فی وقوفه علی الماء.
»سل الشریعة عنه یوم خاض بها
هل ذاق للماء طعما و هو غارفه
رمی المعین بنهر من أنامله
وصد عنه و ما بلت مراشفه
إن لم یزد معنی فی شجاعته
علی أبیه فقد ساوت مواقفه«
و نفس الشیء نجده – أی أباالفضل العباس علیهالسلام – یطلق أهدافه من خلال أرجوزته التی أطلقها ساعة حمل بها علی القوم و هو یرتجز و یقول:
»لا أرهب الموت إذا الموت زقا
حتی أواری فی المصالیت لقا
نفسی لسبط المصطفی الطهر وقا
إنی أنا العباس أغدو و بالسقا
و لا أخاف الشر یوم الملتقی«
و نحن هنا أمام لوحة رائعة تبین کرم و شجاعة هذا البطل العظیم.. لیس فقط تبین شجاعته بل و أیضا تبین هذه الأبیات مدی اهتمام أبیالفضل بقضاء حوائج الناس و السعی من أجل إنقاذهم و خلاصهم.. و ذلک بقوله:
»حتی أواری فی المصالیت لقا«.
و المصالیت جمع مصلات.. و المصلات من الرجال، هو: الرجل الشجاع الماضی فی الحوائج.. یقال: هو من مصالیت الرجال أی: من شجعانهم الماضین فی قضاء حوائج الآخرین.. هکذا جاء فی کتب اللغة و الأدب تفسیر هذه الکلمة و هی: المصالیت.
و لا شک أنه باب من أبواب الله فی قضاء حوائج المحتاجین و کشف کرب المکروبین.
و ما ینطبق علی هذین الشعارین؛ ینطبق أیضا علی الشعار الذی أطلقه أبوالفضل ساعة فقد یمینه فی سبیل الله فقال:
»و الله أن قطعتمو یمینی«
»إنی أحامی أبدا عن دینی«
»و عن إمام صادق الیقین«
»نجل النبی الطاهر الأمین«
فهو یعلن أمام الملأ أن قطع الیمین لا یثنیه عن مسیرته و لا یصده عن الحق.. بل بالعکس إن قطع الید فی سبیل الحق لهو أکبر حافز علی المضی فی الطریق إلی نهایة الشوط.
لذلک یخاطبه الإمام جعفر بن محمد الصادق – علیهالسلام – بقوله:
أشهد أنک لم تهن و لم تنکل و إنک مضیت علی بصیرة من أمرک مقتدیا بالصالحین و متبعا للنبیین فجمع الله بیننا و بینک فی دار جنات النعیم«.