و کان أبوالفضل العباس – علیهالسلام – متواضعا عالما حلیما لا یغضب إلا لله و لا یرضی إلا لله سبحانه فهو قطعة من نور أبیه علی أمیرالمؤمنین علیهالسلام.
أما تواضعه فهو حق لأن الأغصان المحملة بالثمر تکون قریبة من الأرض… و الضرع الملیء باللبن یدنو من الأرض فی تواضع.
و هذه قاعدة معروفة لدی الجمیع.. فالسنابل الملیئة بالعطاء تنحنی فی تواضع بینما السنابل الفارغة تشمخ فی الهواء.
»ملأی السنابل تنتحنی بتواضع
و الفارغات رؤوسهن شوامخ«
و ما ینطبق علی النبات و الأحیاء، ینطبق علی الإنسان أیضا.. فنجد الإنسان الفارغ تائها فی دنیا الکبر و الزهو و الغرور فی حین أن الإنسان المشحون بالعلم و الإیمان و الأخلاق یکون متواضعا یقرب المساکین و یعظم أهل الدین و یحمل الخیر لکل الناس و یسعی فی قضاء حوائجهم و هذا بالضبط ما کان یصنعه أبوالفضل العباس علیه أفضل الصلاة و أزکی السلام. و هذه تصدر عن قوة لا عن ضعف لأن المؤمن تجد له حزما فی لین، و قوة فی یقین.
جاء فی زیارة العباس علیهالسلام:
أشهد أنک لم تهن و لم تنکل و إنک مضیت علی بصیرة من أمرک مقتدیا بالصالحین و متبعا للنبیین فجمع الله بیننا و بینک و بین رسوله و أولیائه فی منازل المجتبین فإنه أرحم الراحمین«.
لأن العقیدة القویة الصلبة هی ضد الوهن و الذل و النکال.. و قد أشار الإمام أبوعبدالله الصادق علیهالسلام إلی هذا الجانب فی شخصیة أبیالفضل جانب القوة و المنعة و الصلابة فقال:
»کان عمنا العباس بن علی – علیهالسلام – نافذ البصیرة صلب الإیمان جاهد مع أخیه و الحسین و أبلی بلاء حسنا حتی قطعت یداه فأبدلهما الله تعالی بجناحین یطیر بهما مع الملائکة فی الجنة«.
و قال الإمام علی بن الحسین زینالعابدین علیهالسلام فی حق أبیالفضل العباس:
»و إن لعمی العباس بن علی منزلة یغبطه علیها جمیع الشهداء یوم القیامة..«.
و نحن من خلال هاتین الکلمتین ندرک کم هو أبوالفضل العباس عظیما و عالما و کبیرا.
الفضائل ترفع الإنسان.. فی حین أن الرذائل تسقطه.. و هذه حقیقة لیس فوقها غبار، فالنفس تستمد طاقتها من مکارم الأخلاق: من الشجاعة، و الکرم و النجدة، و الأریحیة، و حب الخیر الناس.. بینما تتضاءل قوة النفس حینما تقترب من الرذائل و الشیطان.. فکما أن الطعام الجید یصیر طاقة جیدة فی البدن؛ کذلک الأخلاق الجیدة تصیر طاقة جیدة فی النفس فتصبح نفس الشخص عظیمة و کبیرة و محترمة.
و من هذا المنطلق، فإنه کلما ازداد المرء عشقا للفضائل و المکارم.. ازداد رفعة و عظمة و أعطاه الله سبحانه إیمانا یجد حلاوته فی قلبه…
علی أن الإنسان الذی یعشق الفضائل و یتفاعل معها، یحس إحساسا عمیقا بالسمو و الکرامة و العزة..
فتهون علیه التضحیة فی سبیل مبادیء الحق و الحریة، و العدالة الاجتماعیة.. و قد کان أبوالفضل العباس – علیهالسلام – قمة مضیئة فی أفاق الدفاع عن الحق و الحریة.