لم تزل هذه الفضیلة نفسیة أبیالفضل فی جمیع مواقفه عند ذلک المشهد الرهیب لا سیما حین بلغه کتاب عبیدالله بن زیاد بالامان له و لاخوته الذی أخذه عبدالله بن أبیالمحل بن حزام وکانت أمالبنین عمته و بعثه مع مولاه کزمان فلما قدم کربلا قال للعباس و اخوته هذا أمان من ابنزیاد بعثه الیکم خالکم عبدالله فقالوا له ابلغ خالنا السلام و قل له لا حاجة لنا فی أمانکم أمان الله خیر من أمان ابنسمیة (1).
کیف یتنازل أبوالفضل الدنیة و هو ینظر بعین غیر أعین الناس و یسمع بأذنه الواعیة غیر ما یسمعونه یشاهد نصب عینه الرضوان الأکبر مع «خلف النبی المرسل» و یسمع هتاف
الملکوت من شتی جوانبه بالبشری له بذلک کله عند استمراره مع أخیه الامام.
نعم وجد «عباس المعرفة» نفسه المکهربة بعالم الغیب المجذوبة بجاذب مرکز القداسة الی التضحیة دون حجة الوقت لا محالة فرفض ذلک الامان الخائب الی أمان الرسول الأعظم.
و هنالک طمع الشمر فیه و فی اخوته ان یفصلهم عن مستوی الفضیلة فناداهم أین بنو اختنا این العباس و اخوته فاعرضوا عنه فقال الحسین اجیبوه ولو کان فاسقا قالوا ما شأنک و ما ترید قال یا بنی أختی أنتم آمنون لا تقتلوا انفسکم مع الحسین و الزموا طاعة أمیرالمؤمنین یزید فقال له العباس لعنک الله و لعن أمانک تؤمننا و ابن رسول الله لا أمان له (2) و تأمرنا ان ندخل فی طاعة اللعناء و أولاد اللعناء فرجع الشمر مغضبا (3).
ان هذا الجلف الجافی قد أساء الظن بهؤلاء الفتیة نجوم الارض من آل عبدالمطلب فحسب انهم ممن یستوهیهم الامن و الدعة أو تروقهم الحیاة مع أبناء البغایا
هیهات خاب الرجس ففشل و اخفق ظنه و اکدی أمله و لم یسمع فی الجواب منهم الا لعنک الله و تبت یداک و لعن ما جئت به.
و حیث ان ابن ذیالجوشن یفقد البصیرة التی وجدها أبوالفضل و النفسیة التی یحملها و السؤدد المتحلی به و الحفاظ اللائح علی وجناته، طمع ان یستهوی رجل الغیرة و یجره الی الخسف و الهوان و الحیاة مع الظالمین.
أیظن أن أباالفضل ممن یستبدل النور بالظلمة و یستعیض عن الحق بالباطل و یدع علم النبوة وینضوی الی رایة ابنمرجانة؟
– کلا –
و لما رجع العباس واخوته الی الحسین و اعلموه بما أراده الماجن منهم قام زهیر بن القین الی العباس حدثه بحدیث قال فیه ان أباک أمیرالمؤمنین علیهالسلام طلب من أخیه عقیل و کان عارفا بأنساب العرب و اخبارها ان یختار له امرأة ولدتها الفحولة من العرب و ذوو الشجاعة منهم لیتزوجها فتلد غلاما فارسا شجاعا ینصر الحسین بطف کربلا و قد ادخرک أبوک بمثل هذا الیوم فلا تقصر عن نصرة أخیک و حمایة اخواتک فغضب العباس و قال یا زهیر تشجعنی هذا الیوم
فوالله لارینک شیئا ما رأیته (4).
فجدل أبطالا و نکس رایات فی حالة لم یکن همه من القتال و لا منازلة الابطال بل کان همه ایصال الماء الی أطفال اخیه و لکن لا مرد للقضاء ولا دافع للأجل المحتوم.
و لا یهمه السهام حاشا
من همه سقایة العطاشا
فجاد بالیمین والشمال
لنصرة الدین و حفظ الآل
1) الطبری ج 6 ص 239 و ابنالاثیر ج 4 ص 23.
2) تذکرة الخواص ص 142 و اعلام الوری ص 120.
3) أسرار الشهادة ص 318.
4) الکبریت الاحمر ج 3 ص 144 و اسرار الشهادة ص 387.