نقرأ فی الحدیث أنه: «إذا ظهرت البدع… فعلی العالم أن یظهر علمه، و إلا فعلیه لعنة الله«. و البدعة إنما تأتی فی التحلیل و التحریم، فعندما یحرمون حلال الله، و یحلون حرامه، فهنا تکثر البدع و تنشط و یلقی سوقها رواجا منقطع النظیر.. و الواجب علی العالم المسؤول أن یقف بوجه هذه البدعة، و ذلک بإظهار علمه و نشره علی الناس حتی یعرف الناس أن هذه بدعة و لیست من الإسلام فی شیء.. و إلا فإن الناس یعتبرونها من الإسلام و تمشی علیهم الأمور.. و إنما تلتبس علیهم – أی علی الناس – لأنها تنطرح مرتدیة ثوب الإسلام، و هذا هو ما نطلق علیه إسم الشبهة، کما قال علی أمیرالمؤمنین – علیه أفضل الصلاة و أزکی السلام -: «و إنما سمیت الشبهة شبهة لأنها تشبه الحق«.
و ممکن أن تکون البدعة عاریة لا ترتدی أی ثوب إسلامی قط، و إنما یطرحها الطغاة و أعداء الحریة هکذا کما هی و مع ذلک یتقبلها الناس بفعل أبواق الإعلام المضاد، و التعتیم الإعلامی المعصور، الموجه الذی یحسن القبیح، و یقبح الحسن یصور الأقزام علی أنهم أبطال، و یرسم صورا یستوحش منها الناس عن أبطالهم.. کما یصنع التاریخ أحیانا حیث یجعل من الجلادین علماء مفکرین، و یصنع من الأبطال الأوفیاء خونة أدعیاء.
علی کل حال.. فالمهم هنا هو أن یقف العالم، و رجل الفکر، و الوعی، بوجه البدعة و ذلک عن طریق نشر العلم و النور، و الوعی علی الناس لیخرجهم من ظلمات الجهل إلی نور العلم، و المعرفة. و هذا بالضبط ما صنعه أبوالفضل العباس – علیهالسلام – فی الدفاع عن الدین و العقیدة و عن إمام صادق الیقین هو حجة الله فی الأرض و أبو الأحرار أبوعبدالله الحسین – علیهالسلام – حیث تظافرت أبواق الدعایة تبث سمومها ضد الحسین و ضد الدین و العقیدة فقد انطلقت ألسنة الأمویین و زعیمهم یزید الفسق و الفجور، تنشر البدع و الضلالات فی صفوف الناس.. و تصف الحسین و هو ابن النبی و ریحانته من الدنیا.. راحت أبواق الباطل تصفه بأنه خارجی لا علاقة له بالإسلام و العقیدة!!
و هنا سجل أبوالفضل العباس أروع مواقف البطولة التی یسجلها عالم، ربانی فی الدفاع عن الحق و الحریة و العدالة الإجتماعیة.. و عن کل شعائر الدین المتمثلة فی الامام الحسین – علیهالسلام – من أجل ذلک – کان العباس یقول حینما قطعوا یمینه و شماله -:
و الله لو قطعتم یمینی
إنی أحامی أبدا عن دینی
و عن إمام صادق الیقین
نجل النبی الطاهر الأمین
و نجد الأریحیة و الإیمان و الإیثار تتجلی بأنصع صورها فی شخصیة أبیالفضل العباس، عندما یمتنع عن شرب الماء – و هو فی منتهی الظمأ و فی غایة العطش – مواساة بالإمام الحسین الغریب العطشان.. فیرمی الماء من یده ثم ینشد مخاطبا نفسه:
یا نفس من بعد الحسین هونی
و بعده لا کنت أو تکونی
هذا الحسین وارد المنون
و تشربین بارد المعین
هیهات ما هذا فعال دینی
و لا فعال صادق الیقین
و نحن نعرف أنه اغترف من الماء ثم رماه من یده و لم یذق منه حتی قطرة واحدة.. و تفسیر ذلک: أنه أراد أن یسجل أعظم درس فی الوفاء و النصیحة لخلف النبی المرسل و السبط المنتجب و الدلیل العالم و هو الإمام الحسین بن علی – علیه أفضل الصلاة و أزکی السلام -.