و انتصف النهار و حان میقات صلاة الظهر فوقف المؤمن المجاهد أبوثمامة الصائدی فجعل یقلب وجهه فی السماء کأنه ینتظر أعز شیء عنده و هی أداء صلاة الظهر، فلما رأی الشمس قد زالت التفت الی الامام قائلا:
»نفسی لنفسک الفداء، أری هؤلاء قد اقتربوا منک، والله لا تقتل حتی أقتل دونک، و أحب أن ألقی ربی، و قد صلیت هذه الصلاة التی قد دنا وقتها…«.
لقد کان الموت منه کقاب قوسین أو أدنی، و هو لم یغفل عن ذکر ربه، و لا عن أداء فرائضه، و جمیع أصحاب الامام علیهالسلام کانوا علی هذا السمت ایمانا بالله، و اخلاصا فی أداء فرائضه.
و رفع الامام رأسه فجعل یتأمل فی الوقت فرأی أن قد حل وقت أداء الفریضة فقال له:
»ذکرت الصلاة، جعلک الله من المصلین الذاکرین، نعم هذا أول وقتها…«
و أمر الامام علیهالسلام أصحابه أن یطلبوا من معسکر ابنزیاد أن یکفوا عنهم القتال لیصلوا لربهم، فسألوهم ذلک فانبری الرجس الخبیث الحصین ابن نمیر قائلا:
»زعمت أن لا تقبل الصلاة من آل رسول صلی الله علیه و آله و تقبل منک یا حمار!!«.
و حمل علیه الحصین فسارع الیه حبیب فضرب وجه فرسه بالسیف فشبت به الفرس فسقط عنها، و بادر الیه أصحابه فاستنقذوه. (1).
و استجاب أعداء الله مکیدة لطلب الامام فسمحوا له أن یؤدی فریضة الصلاة، و انبری الامام للصلاة، و تقدم أمامه سعید بن عبدالله الحنفی یقیه بنفسه السهام و الرماح و اغتنم أعداء الله انشغال الامام و أصحابه بالصلاة فراحوا یرشقونهم بسهامهم و کان سعید الحنفی یبادر نحو السهام فیتقیها بصدره و نحره، و وقف ثابتا کالجبل لم تزحزحه السهام، و لا الرماح و الحجارة التی اتخذته هدفا لها و لم یکن یفرغ الامام من صلاته حتی أثخن سعید الجراح فهوی الی الأرض یتخبط بدمه و هو یقول:
»اللهم العنهم لعن عاد و ثمود، و أبلغ نبیک منی السلام، و ابلغه ما لقیت من ألم الجراح، فانی أردت بذلک ثوابک و نصرة ذریة نبیک..»
و التفت الی الامام قائلا له بصدق و اخلاص:
»أوفیت یا ابن رسول الله؟.«.
فأجابه الامام شاکرا له:
»نعم أنت أمامی فی الجنة..«.
و ملئت نفسه فرحا حینما سمع قول الامام، ثم فاضت نفسه العظیمة الی بارئها فقد أصیب بثلاثة عشر سهما عدا الضرب و الطعن (2) و کان هذا منتهی ما وصل الیه الوفاء، و الایمان، و الولاء للحق.
1) تاریخ ابنالاثیر 3 / 291.
2) مقتل الحسین للمقرم (ص 297(.