و قامت العصابة المجرمة التی تحمل شرور أهل الأرض و خبثهم باحتلال الفرات، و لم تبق شریعة أو منفذ الا وقد وضع علیها الحرس، و قد صدرت الیهم الأوامر المشددة من قبل القیادة العامة بالحذر و الیقظة کی لا تصل قطرة من الماء الی عترة رسول الله صلی الله علیه و آله الذین هم من خیرة ما خلق الله.
و یقول المؤرخون: حیل بین الحسین و الماء قبل قتله بثلاثة أیام (1) و کان ذلک من أعظم ما عاناه الامام من المحن و الخطوب، فکان یسمع صراخ أطفاله، و هم ینادون: العطش، العطش، و ذاب قلب الامام حنانا و رحمة لذلک المشهد الرهیب، فقد ذبلت شفاه أطفاله، و ذوی عودهم، و جف لبن المراضع، و صور أنور الجندی هذا المنظر المفجع بقوله:
و ذئاب الشرور تنعم بالماء
و أهل النبی من غیر ماء
یا لظلم الأقدار یظمأ قلب اللیث
و اللیث موثق الأعضاء
و صغار الحسین یبکون فی الصحراء
یا رب أین غوث القضاء
لقد نزع الله الرحمة من قلوبهم، فتنکروا لانسانیتهم، و تنکروا لجمیع القیم و الأعراف، فان جمیع الشرائع و المذاهب لا تبیح منع الماء عن النساء و الأطفال فالناس فیه جمیعا شرکاء، و قد أکدت ذلک الشریعة الاسلامیة، و اعتبرته حقا طبیعیا لکل انسان، و لکن الجیش الأموی لم یحفل بذلک، فحرم الماء علی آل النبی صلی الله علیه و آله و کان بعض الممسوخین یتباهی و یفخر لحرمانهم الحسین من الماء، فقد انبری الوغد اللئیم المهاجر بن أوس صوب الامام رافعا صوته قائلا:
»یا حسین ألا تری الماء یلوح کأنه بطون الحیات، و الله لا تذوقه أو تموت دونه…» (2).
و اشتد عمرو بن الحجاج نحو الحسین، و هو فرح کأنما ظفر بمکسب أو مغنم قائلا:
»یا حسین هذا الفرات تلغ فیه الکلاب، و تشرب فیه الحمیر و الخنازیر، و الله لا تذوق منه جرعة حتی تذوق الحمیم فی نار جهنم..» (2).
و کان هذا الوغد الأثیم ممن کاتب الامام الحسین علیهالسلام بالقدوم الی الکوفة.
و انبری جلف آخر من أوغاد أهل الکوفة و هو عبدالله بن الحصین
الأزدی فنادی بأعلی صوته لتسمعه مخابرات ابنمرجانة فینال منه جوائزه و هباته، قائلا:
»یا حسین ألا تنظر الی الماء کأنه کبد السماء، و الله لا تذوق منه قطرة حتی تموت عطشا..«.
فرفع الامام یدیه بالدعاء علیه قائلا:
»اللهم اقتله عطشا، و لا تغفر له أبدا..» (3).
لقد تمادی هؤلاء الممسوخون بالشر، و سقطوا فی هوة سحیقة من الجرائم و الآثام ما لها من قرار.
1) مرآة الزمان فی تواریخ الأعیان (ص 89(.
2) أنساب الأشراف ج 2 / ق 1.
3) الصراط السوی فی مناقب آل النبی (ص 86(.