و اتجهت جیوش معاویة صوب العراق، فعسکرت فی منطقة صفین و اختارتها مرکزا للحرب، و أوعزت القیادة العامة الی قطعات الجیش باحتلال الفرات، و وضع المفارز علی حوض الفرات لمنع جیش الامام من الشرب لیموتوا عطشا، و قد اعتبر معاویة ذلک أول النصر و الفتح، و نم ذلک عن خبث طبیعته ولؤم عنصره، فان لکل انسان بل و لکن حیوان حقا طبیعیا فی الماء عند کافة الأمم و الشعوب، و لکن معاویة و بنیأمیة قد تخلوا عن جمیع الأعراف، فاستعملوا منع الماء کسلاح فی معارکهم، فقد منعوا الماء یوم الطف عن ریحانة رسول الله صلی الله علیه و آله و أهل بیته حتی أشرفوا علی الموت من شدة الظمأ.
و لما علم الامام علیهالسلام بزحف معاویة لحربه اتجه بجیوشه نحو صفین فلما انتهوا الیها وجدوا حوض الفرات قد احتل من قبل معسکر معاویة، و منعوهم من تناول قطرة من الماء، و ألح العطش بجیش الامام فانبرت الیه قادة جیشه، و طلبوا منه الاذن فی مقارعه القوم، فرغب الامام قبل أن یبدأهم بالحرب أن یطلبوا منهم السماح فی تناول الماء، اذ لیس لهم من سبیل أن یتخذوه وسیلة لکسب المعرکة لأن الماء مباح لکل انسان و حیوان عند جمیع الشرائع و الأدیان، و عرض علیهم أصحاب الامام ذلک الا أنهم أبوا و أصروا علی غیهم و عدوانهم، فاضطر الامام بعد ذلک الی أن یسمح لقواته المسلحة بفتح نار الحرب علیهم، فحملوا علیهم حملة واحدة، ففروا منهزمین شر هزیمة، و ترکوا مواقعهم فاحتلتها جیوش الامام، و أصبح نهر الفرات بأیدیهم، و انطلق فریق من قادة الجیش نحو الامام فطلبوا منه أن یسمح لهم فی منع الماء عن أصحاب معاویة کما منعوهم عنه، فأبی الامام أن یقابلهم بالمثل، فأباح لهم الماء کما هو مباح للجمیع فی شریعة الله، و لم یشکر الامویون الأوغاد هذه الید البیضاء التی أسداها علیهم الامام، فقد قابلوه بالعکس، فمنعوا الماء عن أبنائه فی کربلاء حتی صرعهم الظمأ، و أذاب العطش قلوبهم.